رثاء احمد شوقي لعمر المختار اسد الصحراء
![]() |
| رثاء احمد شوقي لعمر المختار اسد الصحراء |
ركزوا رفاتك في الرمال لواء ***** يستنهض الوادي صـباح مساء
يا ويحهم نصبوا منارا من دم ***** يوحي إلى جيـل الغد البغضاء
ما ضر لو جعلوا العلاقة في ***** غد بين الشعوب مودة وإخاء
جرح يصيح على المدى ***** وضحية تتلمس الحـرية الحمراء
يأيها السيف المجرَّد بالفلا ***** يكسو السيوف على الزمان مضاء
تلك الصحارى غمد كل مهند ***** أبلى فأحسن في العدو بلاء
وقبور موتى من شـباب أمية ***** وكهولهم لم يبرحوا أحياء
لو لاذ بالجـوزاء منهم معقل ***** دخلوا على أبـراجها الجوزاء
فتحوا الشمال سهـوله وجباله ***** وتوغلوا فاستعمروا الخضراء
وبنوا حضارتهم فطاول ركنها ***** دار السلام وجلّق الشماء
خُيّرت فاخترت المبيت على الطوى ***** لم تبن جاها أو تلم ثراء
إن البطولة أن تموت مـن الظما ***** ليس البطولة أن تعـب الماء
أفريقيا مهد الأسود ولحدها ***** ضجت عليك أراجلا ونساء
والمسلمون على اختلاف ديارهم ***** لا يملكون مع المصاب عزاء
والجاهلية مـن وراء قبورهم ***** يبكون زيد الخيل والفلحاء
فــي ذِمَّــة اللهِ الكريمِ وحفظِـه ***** جَسَــدٌ ببرْقة وُسِّــدَ الصحراءَ
لـم تُبْـقِ منـه رَحَى الوقائِع أَعظُمًا ***** تَبْلَى، ولم تُبْـقِ الرِّماحُ دِمـاءَ
كَرُفاتِ نَسْرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيْغَـمٍ ***** باتا وراءَ السَّـافياتِ هَباءَ
بطـلُ البَداوةِ لم يكن يَغْـزو على ***** تَنْكٍ، ولم يَـكُ يركبُ الأَجواءَ
لكـنْ أَخو خَـيْلٍ حَـمَى صَهَواتِها ***** وأَدَارَ من أَعرافها الهيجاءَ
لَبَّـى قضاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَـةٍ ***** لم تخْـشَ إِلاَّ للسماءِ قَضاءَ
وافاهُ مَرْفوعَ الجبينِ كأَنه ***** سُـقْراطُ جَـرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ
شَــيْخٌ تَمالَكَ سِـنَّهُ لم ينفجرْ ***** كالطفل مـن خوفِ العِقابِ بُكاءَ
وأَخـو أُمورٍ عاشَ فـي سَـرَّائها ***** فتغيَّرَتْ، فتـوقَّع الضَّراءَ
الأُسْـدُ تزأَرُ في الحديدِ ولن ترى ***** في السِّجنِ ضِرْغامًا بكى اسْتِـخْذاءَ
وأَتى الأَسـيرُ يَجُـرُّ ثِقْلَ حَـديدِهِ ***** أَسَدٌ يُجَــرِّرُ حَيَّـةً رَقْطاءَ
عَضَّـتْ بسـاقَيْهِ القُيـودُ فلم يَنُؤْ ***** ومَشَـتْ بهَيْكله السّنون فناءَ
تِسْعُونَ لو رَكِـبَتْ مَنـاكِبَ شاهقٍ ***** لترجَّلَتْ هَضَباتُه إِعياءَ
خَـفِيَتْ عـن القاضي، وفات نَصِيبُها ***** مـن رِفْق جُـنْدٍ قادةً نُبَلاءَ
دفعوا إِلى الجـلاَّدِ أَغلَبَ ماجدًا ***** يأْسُو الجِراحَ، ويُطلِق الأُسَراءَ
ويُشاطرُ الأَقرانَ ذُخْرَ سِـلاحِهِ ***** ويَصُـفُّ حَوْلَ خِوانِه الأَعداءَ
وتخيَّروا الحبلَ المَهينَ مَنيّـةً ***** للَّيْـثِ يلفِظ حَوْلَهُ الحَوْباءَ
حَرموا المماتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا ***** مَـنْ كـان يُعْطِـي الطَّعْنَـةَ النَّجْلاءَ
إِنـي رأَيتُ يَدَ الحضارةِ أُولِعَـتْ ***** بالحقِّ هَدْما تارةً وبِناءَ
شرَعَتْ حُـقوقَ الناسِ فـي أَوطانِهم ***** إِلاَّ أُباةَ الضَّيْمِ والضُّعَفاءَ
يا أَيُّهَا الشـعبُ القريبُ، أَسـامعٌ ***** فأَصوغَ في عُمَرَ الشَّهِيدِ رِثاءَ
أَم أَلْجَـمَتْ فاكَ الخُطوبُ وحَـرَّمت ***** أُذنَيْـكَ حينَ تُخاطِبُ الإِصْغاءَ
ذهـب الزعيمُ وأَنـتَ باقٍ خـالدٌ ***** فانقُد رِجالَك، واخْـتَرِ الزُّعَماءَ
وأَرِحْ شـيوخَكَ مـن تكاليفِ الوَغَى ***** واحْـمِلْ عـلى فِتْيانِكَ الأَعْباءَ
